سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


قد تقدم القول في مثل {أو عجبتم} والذكر لفظ عام للمواعظ والأوامر والنواهي، وقوله تعالى: {اذكروا} الآية، تعديد للنعم عليهم، و{خلفاء} جمع خليف كظريف وظرفاء، وخليفة جمع خلائف، والعرب تقول خليفة وخليف، وأنشد أبو علي:
فإن يزل زائل يوجد خليفته *** وما خليف أبي وهب بموجود
قال السدي وابن إسحاق: والمعنى جعلكم سكان الأرض بعد قوم نوح، وقوله: {وزادكم في الخلق بصطة} أي في الخلقة، والبصطة الكمال في الطول والعرض، وقيل زادكم على أهل عصركم، قال الطبري: المعنى زادكم على قوم نوح وقاله قتادة.
قال القاضي أبو محمد: واللفظ يقتضي أن الزيادة هي على جميع العالم، وهو الذي يقتضي ما يذكر عنهم، وروي أن طول الرجل منهم كان مائة ذراع وطول أقصرهم ستون ونحو هذا. والآلاء: جمع إلا على مثال معي، وأنشد الزجّاج: [للأعشى]
أبيض لا يرهب الهزال ولا *** يقطع رحماً ولا يخون إلا
وقيل واحد الآلاء ألا على مثال قفى وقيل واحدها إلى على مثال حسى وهي النعمة والمنة، و{تفلحون}: معناه تدركون البغية والآمال، قاله الطبري وعاد هؤلاء فيما حدث ابن إسحاق من ولد عاد بن إرم ابن عوص بن سام بن نوح، وكانت مساكنهم الشحر من أرض اليمن وما والى حضرموت إلى عمان، وقال السدي وكانوا بالأحقاف وهي الرمال، وكانت بلادهم أخصب بلاد فردها الله صحارى، وقال علي بن أبي طالب: إن قبر هود عليه السلام هنالك في كثيب أحمر يخالطه مدرة ذات أراك وسدر، وكانوا قد فشوا في جميع الأرض وملكوا كثيراً بقوتهم وعددهم وظلموا الناس، وكانوا ثلاث عشرة قبيلة، وكانوا أصحاب أوثان منها ما يسمى صداء ومنها صمودا ومنها الهنا فبعث الله إليهم هوداً من أفضلهم وأوسطهم نسباً فدعاهم إلى توحيد الله وإلى ترك الظلم.
قال ابن إسحاق: لم يأمرهم فيما يذكر بغير ذلك فكذبوه وعتوا واستمر ذلك منهم إلى أن أراد الله إنفاذ أمره أمسك عنهم المطر ثلاث سنين، فشقوا بذلك وكان الناس في ذلك الزمان إذا أهمهم أمر فزعوا إلى المسجد الحرام بمكة فدعوا الله فيه تعظيماً له مؤمنهم وكافرهم، وأهل مكة يومئذ العماليق وسيدهم رجل يسمى معاوية بن بكر، فاجتمعت عاد على أن تجهز منهم وفداً إلى مكة يستسقون الله لهم، فبعثوا قيل بن عنز ولقيم بن هزال وعثيل بن ضد بن عاد الأكبر، ومرثد بن سعد بن عفير، وكان هذا مؤمناً يكتم إيمانه وجلهمة بن الخبيري في سبعين رجلاً من قومهم، فلما قدموا مكة نزلواعلى معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجاً من الحرم فأنزلهم وأقاموا عنده شهراً يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتا معاوية، ولما رأى معاوية إقامتهم وقد بعثهم عاد للغوث أشفق على عاد وكان ابن أختهم كلهدة بن الخبير أخت جلهمة، وقال هلك أخوالي وشق عليه أن يأمر أضيافه بالانصراف عند فشكا ذلك إلى قينة فقالت له اصنع شعراً نغني به عسى أن ننبههم فقال: [الوافر]
ألا يا قيل ويحك قم فهينمْ *** لعل الله يصحبنا غماما
فيسقي أرض عاد إن عاداً *** قد امسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس نرجو *** به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهم بخير *** فقد أمست نساؤهم عياما
وإن الوحش تأتيهم جهاراً *** ولا تخشى لعاديَّ سهاما
وأنتمْ هاهنا فيما اشتهيتم *** نهارَكمُ وليلكمُ التماما
فَقُبِّحَ وفدُكمْ من وفدِ قَوْمٍ *** ولا لُقُّوا التحيَّةَ والسَّلاما
فغنت به الجرادتان فلما سمعه القوم قال بعضهم يا قوم إنما بعثكم قومكم لما حل بهم فادخلوا هذا الحرم وادعوا لعل الله يغيثهم فخرجوا لذلك فقال لهم مرثد بن سعد إنكم والله ما تسقون بدعائكم، ولكنكم إن أطعتم نبيكم وآمنتم به سقيتم، وأظهر إيمانه يؤمئذ فخالفه الوفد، وقالوا لمعاوية بن بكر وأبيه بكر احبسا عنا مرثداً ولا يدخل معنا الحرم، فإنه قد اتبع هوداً ومضوا إلى مكة فاستسقى قيل بن عنز، وقال يا إلهنا إن كان هود صالحاً فاسقنا فإنّا قد هلكنا، فأنشأ الله سحائب ثلاثاً بيضاء وسوداء، ثم ناداه مناد من السحاب يا رماداً رمدداً لا تبقي من عاد أحداً، لا والداً ولا ولداً، إلا جعلتهم همداً، وساق الله السحابة السوداء التي اختارها قيل إلى عاد حتى خرجت عليهم من واد لهم يقال له المغيث، فلما رأوها قالوا هذا عارض ممطرنا، حتى عرفت أنها ريح امرأة من عاد يقال لها مهد، فصاحت وصعقت فلما أفاقت قيل لها ما رأيت؟ قالت رأيت ريحاً كشهب النار أمامها رجال يقودونها، فسخرها الله عليهم ثمانية أيام حسوماً وسبع ليال، والحسوم الدائمة فلم تدع من عاد أحداً إلا هلك، فاعتزل هود ومن معه من المؤمنين في حظيرة ما يصيبه من الريح إلا ما يلتذ به.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قصص وقع في تفسير مطولاً، وفيه اختلاف فاقتضبت عيون ذلك بحسب الإيجاز وفي خبرهم أن الريح كانت تدمغهم بالحجارة وترفع الظعينة عليها المرأة، حتى تلقيها في البحر، وفي خبرهم أن اقوياءهم كان أحدهم يسد بنفسه مهب الريح حتى تغلبه فتلقيه في البحر، فيقوم آخر مكانه حتى هلك الجميع، وقال زيد بن أسلم: بلغني أن ضبعاً ربت أولادها في حجاج عين رجل منهم وفي خبرهم، أن الله بعث لما هلكت عاد طيراً وقيل أسداً فنقلت جيفهم حتى طرحتها في البحر، فذلك قوله
{فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم} [الأحقاف: 25] في بعض ما روي من شأنهم: أن الريح لم تبعث قط إلا بمكيال إلا يومئذ فإنها تمت على الخزنة فغلبتهم فذلك قوله: {أهلكوا بريح صرصر عاتية} [الحاقة: 6] وروي أن هوداً لما هلكت عاد نزل بمن آمن معه إلى مكة فكانوا بها حتى ماتوا، فالله علم أي ذلك كان.
وقوله تعالى: {قالوا أجئتنا} الآية، ظاهر قولهم وحده أنهم أنكروا أن يتركوا أصنامهم ويفردوا العبادة لله مع إقرارهم بالإله الخالق المبدع، ويحتمل أن يكونوا منكرين لله ويكون قولهم لنعبد الله وحده أي على قولك يا هود، والتأويل الأول أظهر فيهم وفي عباد الأوثان كلهم، ولا يجحد ربوبية الله تعالى من الكفرة إلا من أفرطت غباوته كإربد بن ربيعة، وإلا من ادعاها لنفسه كفرعون ونمرود، وقوله: {فاتنا} تصميم على التكذيب واحتقار لأمر النبوءة واستعجال للعقوبة، وتمكن قولهم: {تعدنا} لما كان هذا الوعد مصرحاً به في الشر ولو كان ذكر الوعد مطلقاً لم يجئ إلا في خبر.


أعلمهم بأن القضاء قد نفذ وحل عليهم الرجس وهو السخط والعذاب يقال رجس ورجز بمعنى واحد، قاله أبو عمرو بن العلاء، وقال الشاعر: [الطويل]
إذا سنة كانت بنجد محيطة *** فكان عليهم رجسها وعذابها
وقد يأتي الرجس أيضاً بمعنى النتن والقذر، ويقال في الرجيع رجس وركس، وهذا الرجس هو المستعار للمحرمات، أي ينبغي أن يجتنب كما يجتنب النتن، ونحوه في المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في خبر جهجاه الغفاري وسنان بن وبرة الأنصاري حين دعوا بدعوى الجاهلية: «دعوها فإنها منتنة» وقوله: {أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم} إنما يريد أنهم ثخاصمونه في أن تسمى آلهة، فالجدل إنما وقع في التسميات لا في المسميات، لكنه ورد في القرآن {ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم} [يوسف: 40] فهنا لا يريد إلا ذوات الأصنام، فالاسم إنما يراد به المسمى نفسه.
قال القاضي أبو محمد: ومن رأى أن الجدل في هذه الآية إنما وقع في أنفس الأصنام وعبادتها تأول هذا التأويل، والاسم يرد في كلام العرب بمعنى التسمية وهذا بابه الذي استعمله به النحويون، وقد يراد به المسمى ويدل عليه ما قاربه من القول، من ذلك قوله تعالى: {سبح اسم ربك الأعلى} [الأعلى: 1] وقوله {تبارك اسم ربك} [الرحمن: 78] على أن هذا يتأول، ومنه قول لبيد: [الطويل]
إلى الحوِل ثمَّ اسمُ السلام عليكما ***
على تأويلات في البيت، وقد مضت المسألة في صدر الكتاب والسلطان: البرهان وقوله {فانتظروا إني معكم من المنتظرين} الآية وعيد وتهديد.
والضمير في قوله {أنجيناه} عائد على هود أي أخرجه الله سالماً ناجياً مع من اتبعه من المؤمنين برحمة الله وفضله، وخرج هود ومن آمن معه حتى نزلوا مكة فأقاموا بها حتى ماتوا {وقطعنا دابر} استعارة تستعمل فيمن يستأصل بالهلاك، والدابر الذي يدبر القوم ويأتي خلفهم: فإذا انتهى القطع والاستئصال إلى ذلك فلم يبق أحد وقوله {كذبوا بآياتنا} دال على المعجزة وإن لم تتعين لها.
وقوله تعالى: {وإلى ثمود} الآية، هو {ثمود} بن غاثن بن أرم بن سام بن نوح أخو جديس بن غاثن، وقرأ يحيى بن وثاب {وإلى ثمودٍ} بكسر الدال وتنوينه في جميع القرآن، وصرفه على اسم الحي وترك صرفه على اسم القبيلة، قاله الزجاج، وقال الله تعالى: {ألا إن ثموداً كفروا ربهم} فالمعنى: وأرسلنا {إلى ثمود أخاهم} فهو عطف على نوح والأخوة هنا أخوة القرابة، وقال الزجاج يحتمل أن تكون أخوة الآدمية، وسمى {أخاهم} لما بعث إليهم وهم قوم عرب وهود وصالح عربيان، وكذلك إسماعيل وشعيب، كذا قال النقاش، وفي أمر إسماعيل عليه السلام نظر، وصالح عليه السلام هو صالح بن عبيد بن عارم بن أرم بن سام بن وح كذا ذكر مكي، وقال وهب بعثه الله حين راهق الحلم، ولما هلك قومه ارتحل بمن معه إلى مكة، فأقاموا بها، حتى ماتوا فقبورهم بين دار الندوة والحجر، وقوله {بينة} صفة حذف الموصوف وأقيمت مقامه، قال سيبويه وذلك قبيح في النكرة أن تحذف وتقام صفتها مقامها، لكن إذا كانت الصفة كثيرة الاستعمال مشتهرة وهي المقصود في الأخبار والأمم زال القبح، كما تقول جاءني عبد لبني فلان وأنت تريد جاءني رجل عبد لأن عبداً صفة فكذلك قوله هنا {بينة}، المعنى آية أو حجة أو موعظة {بينة}، وقال بعض الناس إن صالحاً جاء بالناقة من تلقاء نفسه، وقالت فرقة وهي الجمهور: بل كانت مقترحة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أليق بما ورد في الآثار من أمرهم، وروي أن بعضهم قال: {يا صالح} إن كنت صادقاً فادع ربك يخرج لنا من هذه الهضبة وفي بعض الروايات من هذه الصخرة لصخرة بالحجر يقال لها الكاثبة ناقة عشراء قال فدعا الله فتمخضت تلك الهضبة وتنفضت وانشقت عن ناقة عظيمة، وروي: أنها كانت حاملاً فولدت سقبها المشهور، وروي أنه خرج معها فصيلها من الصخرة، وروي: أن جملاً من جمال {ثمود} ضربها فولدت فصيلها المشهور، وقيل {ناقة الله} تشريفاً لها وتخصيصاً، وهي إضافة خلق إلى خالق، وقال الزجاج: وقيل إنها ناقة من سائر النوق وجعل الله لها شرباً يوماً ولهم شرب يوم، وكانت الآية في شربها وحلبها.
قال القاضي أبو محمد: وحكى النقاش عن الحسن أنه قال: هي ناقة اعترضها من إبلهم ولم تكن تحلب والذي عليه الناس أقوى وأصح من هذا، قال المفسرون: وكانت حلفاً عظيماً تأتي إلى الماء بين جبلين فيزحمانها من العظم وقاسمت {ثمود} في الماء يوماً بيوم فكانت ترد يومها فتستوفي ماء بئر همشريا ويحلبونها وما شاؤوا من لبن ثم تمكث يوماً وترد بعد ذلك غياً، فاستمر ذلك ما شاء الله حتى أماتها {ثمود} وقالوا ما نصنع باللبن، الماء أحب إلينا منه، وكان سبب الملل فيما روي أنها كانت تصيف في بطن الوادي وادي الحجر وتستوفي ظاهره فكانت مواشيهم تفر منها فتصيف في ظهر الوادي للقيظ، وتستوفي باطنه للزمهرير وفسدت لذلك، فتمالؤوا على قتل الناقة فقال لهم صالح مرة إن هذا الشهر يولد فيه مولود يكون هلاككم على يديه، فولد لعشرة نفر أولاد فذبح التسعة أولادهم، وبقي العاشر وهو سالف أبو قدار، فنشأ قدار أحمر أزرق فكان التسعة إذا رأوه قالوا لو عاش بنونا كانوا مثل هذا، فاحفظهم إن قتلوا أولادهم بكلام صالح.
فأجمعوا على قتله، فخرجوا وكمنوا في غار ليبيتوه منه وتقاسموا لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله، فسقط الغار عليهم فماتوا فهم الرهط التسعة الذين ذكر الله تعالى في كتابه هم قدار بن سالف، ومصرع بن مهرج ضما إلى أنفسهما سبعة نفر وعزموا على عقر الناقة، وروي أن السبب في ذلك أن امرأتين من {ثمود} من أعداء صالح جعلتا لقدار ومصرع أنفسهما وأموالهما على أن يعقرا الناقة وكانتا من أهل الجمال، وقيل إن قداراً شرب الخمر مع قوم فطلبوا ماء يمزجون به الخمر فلم يجدوه لشرب الناقة، فعزموا على عقرها حينئذ فخرجوا وجلسوا على طريقها وكمن لها قدار خلف صخرة، فلما دنت منه رماها بالحربة ثم سقطت فنحرها، ثم اتبعوا الفصيل فهرب منهم حتى علا ربوة ورغا ثلاث مرات واستغاث فلحقوه وعقروه، وفي بعض الروايات أنهم وجدوا الفصيل على رابية من الأرض فأرادوه فارتفعت به حتى لحقت به في السماء فلم يقدروا عليه فرغا الفصيل مستغيثاً بالله تعالى فأوحى الله إلى صالح أن مرهم فليتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، وحكى النقاش عن الحسن أنه قال إن الله تعالى أنطق الفصيل فنادى أين أمي؟ فقال لهم صالح إن العذاب واقع بكم في الرابع من عقر الناقة، وروي: أنه عقرت يوم الأربعاء وقال لهم صالح تحمر وجوهم غداً وتصفر في الثاني وتسود في الثالث وينزل العذاب في الرابع يوم الأحد، فلما ظهرت العلامة التي قال لهم أيقنوا واستعدوا ولطخوا أبدانهم بالمن، وحفروا القبور وتحنطوا فأخذتهم الصيحة وخرج صالح ومن معه حتى نزل رملة فلسطين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القصص اقتضبته من كثير أورده الطبري رحمه الله رغبة الإيجاز، وقال أبو موسى الأشعري: أتيت بلاد {ثمود} فذرعت صدر الناقة فوجدته ستين ذراعاً.
قال القاضي أبو محمد: وبلاد {ثمود} هي بين الشام والمدينة، وهي التي مر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المسلمين في غزوة تبوك فقال لا تدخلوا مساكين الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم، ثم اعتجر بعمامته وأسرع السير صلى الله عليه وسلم وروي أن المسافة التي أهلكت الصيحة أهلها هي ثمانية عشر ميلاً، وهي بلاد الحجر ومراتعها الجناب وحسمي إلى وادي القرى وما حوله، وقيل في قدار إنه ولد زنا من رجل يقال له ظيبان وولد على فراش سالف فنسب إليه ذكره قتادة وغيره، وذكر الطبري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر فقال أتعرفون ما هذا قالوا: لا، قال هذا قبر أبي رغال الذي هو أبو ثقيف كان من {ثمود} فأصاب قومه البلاء وهو بالحرم فسلم فلما خرج من الحرم أصابه ما أصابهم فدفن هنا وجعل معه غصن من ذهب قال فابتدر القوم بأسيافهم فحفروا حتى أخرجوا الغصن.
قال القاضي أبو محمد: وهذا الخبر يريد ما في السير من أن أبا رغال هو دليل الفيل وحبيسه إلى مكة والله أعلم.


{بوأكم} معناه مكنكم، وهي مستعملة في المكان وظروفه، تقول تبوأ فلان منزلاً حسناً، ومنه قوله تعالى {تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال} [آل عمران: 121] وقال الأعشى: [الطويل]
فما بَّوأ الرحمان بيتك منزلاً *** بشرقيّ أجيادِ الصَّفا والمحرمِ
و القصور: جمع قصر وهي الدور التي قصرت على بقاع من الأرض مخصوصة بخلاف بيوت العمود وقصرت عن الناس قصراً تاماً، والنحت النجر والقشر في الشيء الصلب كالحجر والعود ونحوه، وقرأ الحسن بن أبي الحسن {تنحَتون} بفتح الحاء، وقرأ جمهور الناس: بكسرها وبالتاء من فوق، وقرأ ابن مصرف: بالياء من أسفل وكسر الحاء، وقرأ أبو مالك بالياء من أسفل وفتح الحاء، وكانوا ينحِتون الجبال لطول أعمارهم، و{تعثوا} معناه تفسدوا يقال: عثا يعثي وعثا يعثو وعثى يعثى كنسى ينسى وعليها لفظ الآية، وقرأ الأعمش {تِعثوا} بكسر التاء و{مفسدين}: حال.
وتقدم القول في {الملأ}، وقرأ ابن عامر وحده في هذا الموضع {وقال الملأ} بواو عطف وهي محذوفة عند الجميع، و{الذين استكبروا} هم الأشراف والعظماء الكفرة، و{استكبروا} يحتمل أن يكون معناه طلبوا هيئة لنفوسهم من الكبر، أو يكون بمعنى كبروا كبرهم المال والجاه وأعظمهم فيكون على هذا كبر واستكبر بمعنى كعجب واستعجب، والأول هو باب استفعل كاستوقد واسترفد، والذين استضعفوا هم العامة والأغفال في الدنيا وهم أتباع الرسل، وقولهم {أتعلمون} استفهام على معنى الاستهزاء والاستخفاف، فأجاب المؤمنون بالتصديق والصرامة في دين الله فحملت الأنفة الإشراف على مناقضة المؤمنين في مقالتهم واستمروا على كفرهم.

6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13